حمولة ...

بغض النظر عن موقفنا من قضية حرية التعبير في الغرب، ومدى حقيقة هذه الحرية ومدياتها، وهل هي انتقائية ام انها شاملة لا تستثني شيئاً، الا ان توجه مجلة «شارلي ايبدو» الفرنسية التي تعرضت لهجوم ارهابي ذهب ضحيته رسامو المجلة ورئيس تحريرها بالاضافة الى عدد من العاملين وشرطيين اثنين، كان لا يعترف بأي خطوط حمراء في سخريتها واستهزائها واهانتها للاديان والرموز الدينية وخاصة الدين الاسلامي.

التوجه المتطرف للمجلة، اثار حفيظة الاوروبيين انفسهم، الذين اعتبروا رسوم المجلة استفزازية الى درجة كبيرة، بل وحتى معادية للإسلام بشكل لا يوصف، الامر الذي يخرج هذه الرسوم من كونها تشكل نقداً لظاهرة ما الى الاهانة والسخرية من مئات الملايين من الناس، عبر الاستهزاء بمقدساتهم ورموزهم الدينية.

 

الكثير من الصحف ووسائل الاعلام في اوروبا رفضت توجه مجلة «شارلي ايبدو»، وامتنعت عن نشر رسومها، بينما القانون في الولايات المتحدة الامريكية يحرم اهانة الاديان وأي خطاب او عمل يدعو الى الكراهية، لذلك لم تنشر معظم الصحف والمجلات والقنوات الامريكية نشر رسوم مجلة «شارلي ايبدو»، الا ما ندر، حيث وصف العديد من الصحفيين والاعلاميين الامريكيين هذه الرسوم بأنها اهانة واستفزاز غير مبرر ولا يمت بصلة للنقد او حرية التعبير.

 

الاجراء الذي اتخذته بعض الصحف الاوروبية والامريكية، بنشر هذه الرسوم، تحت ذريعة الدفاع عن «شارلي ايبدو» وحرية التعبير وعدم الرضوخ للارهابيين، كان اجراءً بعيداً جداً عن المهنية، ومحاولة لإعادة الخطأ من اجل استفزاز الاخرين دون ادنى مبرر منطقي يمكن يفسر هذا الاجراء.

 

هذه المقدمة بشأن تجاوز رسامي «شارلي ايبدو» كل الخطوط الحمراء، باعتراف الاوروبيين والغربيين انفسهم، وحتى شخص الرئيس الامريكي باراك اوباما، لم نذكرها لتبرير الجريمة النكراء التي اقدم عليها الارهابيون، فهذه الجريمة البشعة مدانة ومستنكرة ومرفوضة، الا اننا اردنا من خلال هذه الاشارة التأكيد على ان ما ارتكبته  «شارلي ايبدو» لا يندرج بأي شكل من الاشكال تحت يافطة حرية التعبير، وكان يجب على الحكومة الفرنسية، الا تسمح بتمادي هذه المجلة غير المبرر بالاستخفاف بمقدسات المسلمين، فالعلمانية، وفقاً لتفسير الفرنسيين لها، أنها لا تتخذ الدين منهجاً لإدارة الحياة، الا انها لا تعادي الاديان ولا تستهين وتسخر من اتباع هذه الاديان.

في المقابل على المسلمين، في العالم اجمع، الا يقعوا في الفخ الذي نصبه لهم التكفيريون، وهو ان الزمر التكفيرية هي المدافعة عن الاسلام والمسلمين وعن رموزه المقدسة وفي مقدمة هذه الرموز نبي الاسلام محمد (ص)، فمثل هذه الخدعة كذبة كبرى يجب الا تنطلي على المسلمين، فهولاء، اي المجموعات التكفيرية، هي اكثر الجهات في عصرنا الحاضر وحتى قبل هذا العصر، من اهانت الاسلام ونبيه الكريم (ص) والاسلام والمسلمين بشكل عام، فقد عجز الاستعمار الغربي عن تشويه صورة الاسلام رغم مرور قرون على حربه ضد الاسلام، كما عجزت الصهيونية عن ذلك رغم مرور اكثر من ستين عاماً على وجودها في منطقتنا.

 

إن الافلام والصور البشعة والمقززة لجرائم التكفيريين في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا ومصر والصومال وتونس والجزائر ومالي وافغانستان وباكستان، هي اكبر وأخطر اهانة وجهت للاسلام ونبيه الكريم (ص) على مدى التاريخ، إن اليمين المتطرف الغربي والصهيونية العالمية، هي من اكبر الرابحين من وجود هذه الزمر التكفيرية وافعالها الفظيعة، فعندما يرى العالم ان هؤلاء السفاحين هم من يدافع عن النبي (ص)، ترى كيف سيكون نظرة هؤلاء الى النبي (ص)؟!!

 

إن النتائج التي تتمخض عنها افعال وسلوكيات المجموعات التكفيرية، تؤكد بما لا يقبل الشك، ان هذه المجموعات تعمل وبشكل كامل لصالح الصهيونية العالمية، وعلى الضد من مصالح المسلمين، ويمكن تلمس هذه الحقيقة حتى من مجزرة «شارلي ايبدو»، حيث ذكرت التقارير، ان اثنين من ضحايا المجزرة هما من المسلمين، وهما الشرطي «أحمد مرابط» الذي ظهر فى الفيديو ممدداً علي الرصيف المحاذي لمبنى المجلة واطلق عليه احد المهاجمين الرصاص، و«مصطفى أوراد» الذي كان يعمل داخل المجلة، الامر الذي يؤكد ان هذه الجريمة لا تمت للإسلام بصلة.

تقارير عديدة ذكرت ان سبب الهجوم على «شارلي ايبدو» لم يكن الرسوم التي اساءت للنبي (ص)، بل للرسوم التي سخرت من زعيم «داعش» ابو بكر البغدادي، وهو ما اكدته العديد من الجهات الفرنسية، حيث احتلت هذه الرسوم الاعداد الاخيرة للمجلة!!

اخيراً، ان ما يزرعه المتطرفون من كلا الجانبين، تحصده الصهيونية العالمية، ويبدو من تطورات الاحداث، ان عملية الزراعة للاستفزازات والفتن والاصرار عليها من قبل الجانبين، هي عملية مقصودة ومدروسة، هدفها تشويه صورة الاسلام، و التضييق على المسلمين في اوروبا وجعلهم في قفص الاتهام دائماً، بعد ان اخذ يلوح في افق القارة العجوز، شيء من اعادة تقييم موقف الاوروبيين من القضية الفلسطينية، حيث بدأت العديد من الدول الاوروبية الاعتراف بالدولة الفلسطينيية، وتجرأ البعض على توجيه النقد لـ «اسرائيل» التي كانت على مدى نصف قرن فوق المساءلة والنقد، لذلك كان لابد من ضرب كل جهد يمكن ان يصب في صالح الشعب الفلسطيني والمسلمين في اوروبا والعالم.

كاتب: سامي رمزي 

 




المستعمل تعليقات