حمولة ...

 المجازر الفظيعة المرتكبة بحق المسلمين في ميانمار والتي تجري في اطار عملية ابادة بشرية منظمة وصلت الي ذروتها بالضبط في الوقت الذي يشد فيه نظام الحكم العسكري وقادة الغرب يد الصداقة علي يد البعض بحرارة بعد اعوام من التجاذبات بينهما.

هجمات المجموعات البوذية المتطرفة ضد الاقلية المسلمة القاطنة في مناطق غرب ميانمار والمعروفة باسم 'الروهينجا' مستمرة في الوقت الذي كان المتوقع، في ضوء عمق واتساع نطاق الازمة الجارية، ان تتدخل الحكومة الميانمارية والمحافل الدولية بصورة جدية في القضية وتحول دون تصعيد الاوضاع والمجازر الانسانية الواسعة المرتكبة بحق المسلمين فيها.

 

ماذا يجري في ميانمار

-------------------------

اعمال العنف في ميانمار بدات بعد الهجوم علي حافلة تقل مسلمين في مقاطعة راخين ومن ثم قبل نحو شهرين قامت المجموعات البوذية المتطرفة وبدعم ومواكبة من قوات الشرطة والجيش باعمال قتل واسعة وحرق للقري والمساجد وتشريد للمسلمين من ارضهم. الحكومة الميانمارية وفي اجراء منسق منعت دخول فرق الاغاثة ووسائل الاعلام الدولية الي المنطقة وفي ظل صمت الاوساط الدولية بدات عملية الابادة البشرية والتي اعتبرها البعض 'هولوكوست حقيقي' للمسلمين.

الهجوم الاول علي الروهينجا ادي الي مصرع 9 من المسلمين الابرياء في الحافلة التي كانت تقلهم. ومن ثم وفي ظل صمت ذي مغزي ويحمل في طياته التاييد من المسؤولين الحكوميين والقوات الامنية، اشتدت الهجمات الوحشية علي الروهينجا من قبل المجموعات المتطرفة وتم اضرام النار في القري ومنازل المسلمين بحيث انه في فترة اقل من شهرين اضطر عشرات الالاف من المسلمين في مقاطعة راخين لترك مناطقهم الواقعة قرب الحدود الميانمارية البنغالية.

قناة الـ 'بي بي سي' اوردت في تقرير لها يوم الاثنين الماضي بان الاشتباكات في غرب ميانمار ادت الي مصرع اكثر من 50 الفا وتشريد 90 الفا اخرين من الروهينجا.

ووصفت الـ 'بي بي سي' اوضاع الروهينجا بالماساوية واشارت الي ان المنظمات المدافعة عن حقوق الانسان تنظر الي تطورات ميانمار من اطار كارثة انسانية جدية وانها اعربت عن قلقها الشديد تجاه الازمة الاخيرة.

واشارت صحيفة 'صنداي تايمز' في تقرير لها حول الازمة الانسانية في ميانمار الي الكثير من الممارسات الاجرامية البشعة والمجازر المرتكبة بحق المسلمين ومن ضمنها اعمال القتل الفظيعة واحراق المنازل والممتلكات واغتصاب النساء وشحة الغذاء وتفشي الامراض.

صحيفة 'نيويورك تايمز' الاميركية نقلت في تقرير لها عن شهود عيان محليين بان بعض الهجمات ضد الروهينجا نفذتها مروحيات حكومية الامر الذي يشير الي ان البعض من العسكريين لم يكتفوا بالصمت فقط تجاه هذه المجازر بل شاركوا بانفسهم فيها.

وقالت وكالة الانباء الفرنسية بان المئات من اللاجئين الذين التجأوا الي الاراضي البنغالية اعيدوا من قبل سلطات بنغلاديش الي المناطق المتازمة التي جاءوا منها.

وفي هذا الخضم فان غلق الحدود البنغالية امام الروهينجا في الايام الاخيرة، قد ادي ايضا الي غلق الطرق التي كان اللاجئون يحصلون عبرها علي المصادر الغذائية والادوية.

 

من هم الروهينجا وماذا جري عليهم علي مدي الاعوام الاخيرة

------------------------------------------------------------

الروهينجا، سكان المناطق الحدودية في ميانمار وهم متواجدون منذ الف ومائة عام الي الان في مناطق مثل راخين.

ويشكل المسلمون نسبة تتراوح بين 15 و 20 بالمائة من سكان بورما البالغ عددهم نحو 60 مليون نسمة.

ويعيش مئات الآلاف (ما بين 750 الي 800 الف) من أقلية الروهينجا المسلمة -الذين تعتبرهم الأمم المتحدة إحدي أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم- في شمال ولاية راخين. وهم ليسوا في عداد المجموعات الإثنية التي يعترف بها النظام في ميانمار، ولا كثير من سكان البلاد الذين غالبا ما يعتبرونهم مهاجرين بنغاليين غير شرعيين ولا يخفون عداءهم لهم.

والجدير بالذكر أن حكومة ميانمار لا تسمح لأفراد عرقية الروهينجا بالحصول علي الجنسية، وتعتبر المسلمين من ذوي الأصول البنغالية مهاجرين غير قانونيين من بنغلاديش المجاورة، وإن عاشوا في ميانمار علي مدار أجيال.

ويتعرض مسلمو ميانمار منذ اعوام طويلة قبل الاستقلال من الاستعمار البريطاني في العام 1948 ، لاشد انواع الضغوط السياسية والاجتماعية ويعيشون في ظروف بالغة السوء.

المصادقة علي قانون الملكية من قبل الحكومة العسكرية في ميانمار عام 1982 زادت من ظروف المسلمين سوءا واصبحوا محرومين حتي من ادني الحقوق المدنية والانسانية.

وتضمن جدول اعمال نظام الحكم العسكري، حرمان الروهينجا من حقوق الملكية وممارسة الانشطة التجارية والسياسية وتسلم المناصب العسكرية والحكومية. وتم فرض ضرائب باهظة عليهم وجري حرمانهم من الدخول الي المراكز التعليمية وفرض الكثير من القيود امام الزواج وحتي التنقل والسفر داخل البلاد.

وفضلا عن هذه القيود والضغوط فقد تعرضت المساجد والمدارس الدينية للروهينجا للتخريب والتدمير وبترخيص من المسؤولين الحكوميين تعرضت القري واماكن سكني المسلمين لهجمات البوذيين باستمرار.

علي مدي الاعوام الاخيرة ذهب الالاف من مسلمي ميانمار ضحية العنف الطائفي والابادة البشرية العلنية والسرية من قبل المجموعات المتطرفة في ميانمار ويمكن اعتبار المجازر الاخيرة مثالا ماساويا لاعمال العنف والبطش ضد المسلمين في هذا البلد.

ورغم وجود الروهينجا في غرب ميانمار علي مدي عهود زمنية طويلة فان الكثير من الداعين لاضطهادهم سواء من الافراد العاديين من الاتنية البوذية او المسؤولين الحكوميين يعتبرون المسلمين مهاجرين ارهابيين وخونة جاءوا من وراء الحدود وخصوصا من بنغلاديش الي راخين.

لم تتغير أحوال المسلمين الروهينجا، بعد الانتخابات التي جرت في نوفمبر 2010م، حيث مازال مخطط إخراج المسلمين من راخين موجوداً، رغم إعلان حكومة ميانمار تغيير نظام الدولة من نظام عسكري إلي نظام ديمقراطي، لكن هذا إعلان لا علاقة له بالحقيقة، ولم يقبل العالم والأمم المتحدة إعلانهم ونتائج انتخاباتهم.

وقد تحولت معاناة المسلمين الروهينجا إلي اتجاه جديد بعد تطبيق قانون الجنسية الجديد في ميانمار عام 1982م، فبموجب هذا القانون المزعوم تم حرمانهم من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما تم حرمانهم من جميع الحقوق الإنسانية الطبيعية والأساسية مثل حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية.

وقد اصبحت اوضاع الروهينجا ماساوية الي الحد الذي تعتبرهم الامم المتحدة بانهم من اكثر الاقليات الدينية – الاتنية تعرضا للاضطهاد في العالم كما ان المفوضية العليا للاجئين اوردت في احدث تقاريرها القيود القانونية الشديدة المفروضة علي الروهينجا والعمل الاجباري وعدم امتلاك حق الاقامة ومصادرة الاراضي.

 

الدعم الضمني من حكومة ميانمار للاحداث الاخيرة غرب البلاد

--------------------------------------------------------------

لقد كان من المتوقع بموازاة انفراج الاوضاع السياسية في ميانمار في الفترة الاخيرة ان يحدث تغيير ايضا في الاوضاع الحياتية الماساوية للمسلمين فيها، الا ان تجاهل المسؤولين الحكوميين لاعمال القتل والابادة بحق الروهينجا يمكن اعتباره دعما ضمنيا لممارسات المجموعات المتطرفة لتقوم بتصعيد اعمالها الاجرامية ضد المسلمين.

وبعد مضي اسبوعين من انطلاق اعمال القتل والتدمير في مقاطعة راخين، اعلن تين سين الحاكم العسكري ورئيس جمهورية ميانمار حالة الطورئ وتولت القوات العسكرية والامنية زمام الامور في المقاطعة.

هذه الاجراءات المتخذة من قبل الحكومة لم تؤد الي التقليل من نطاق المجازر وبعبارة اخري الابادة البشرية بحق المسلمين بل علي العكس من ذلك فطبقا لبعض القرائن وما اوردته بعض وسائل الاعلام الغربية ازدادت شدة الهجمات والمجازر المرتكبة بحق الروهينجا.

تين سن قال في الرد علي طلب منظمة الامم المتحدة لانهاء هذه الاوضاع في راخين بانه لا يوجد غير خيارين لانهاء الازمة، الاول طرد جميع الروهينجا من البلاد والثاني اسكانهم بصورة موقة ومنضبطة في مخيمات تحت اشراف الامم المتحدة.

ووفقا للقرائن الموجودة، لا تبذل اي جهود مؤثرة بين النخبة السياسية في ميانمار لانهاء المجازر بحق المسلمين في الوقت الذي يلتزم فيه ادعياء حقوق الانسان الصمت في الداخل والخارج تجاه هذه الكارثة الانسانية الجارية في هذا البلد.

 

صمت ادعياء حقوق الانسان تجاه المجازر بحق الروهينجا

----------------------------------------------------------

اونغ سان سوتشي زعيمة حركة التغيير المعارضة في ميانمار باعتبارها ابرز شخصية دولية ميانمارية تقود الدعوة لعملية الاصلاحات السياسية والديمقراطية وكأن جميع المؤشرات والحقوق الانسانية قد تحققت في بلادها ولم تبق حاجة الا الحرية والاصلاحات.

وفي اجواء الجرائم البشعة والمجازر وتشريد عشرات الالاف من سكان ميانمار، انهت سوتشي كزعيم للمعارضة في بلادها وكشخصية دولية وداعية الي السلام رحلتها الاوروبية التي شملت سويسرا وبريطانيا وفرنسا والنرويج ومن ثم تسلمت جائزة نوبل للسلام في ستوكهولم.

وفي الرد علي اسئلة لصحفيين سألوها عن موقفها تجاه التطورات الاخيرة في غرب ميانمار قالت انها لا تستطيع القول هل ان الروهينجا ميانماريون ام لا!.

تجاهل سوتشي للجرائم الصارخة المنتهكة لابسط الحقوق الانسانية اي حق الحياة والسكن قد شوهت صورة زعيمة المعارضة الميانمارية المعروفة بسيدة السلام.

وبطبيعة الحال يمكن ادراك مسالة ان سوتشي التي تفكر بالفوز في الانتخابات البرلمانية خلال العام القادم امام النخب المدعومة من العسكريين، لا ترغب كثيرا باثارة استياء وغضب الاغلبية البوذية في البلاد!.

من جانب اخر فان الدول الغربية ولاسيما اميركا التي تعترض علي اي حالة من انتهاك حقوق الانسان – وبطبيعة الحال وفق معاييرها المبنية علي المصالح ووجهات النظر السياسية – وتعتبر نفسها احد المدعين الرئيسيين لاقرار ورعاية الحقوق الانسانية، قد التزمت الصمت تجاه المجازر البشرية بحق المسلمين في ميانمار.

وفي الوقت الذي يعيش عشرات الالاف من الروهينجا في ظلال الموت والجوع والمرض في المناطق الحدودية لميانمار، يشد المسؤولون الاميركيون بحرارة علي يد القادة العسكريين في نايبييداو (العاصمة الادارية لميانمار) ويفكرون بتحويل هذا البلد الي موقع استراتيجي لاميركا في شرق اسيا.

وخلال عملية الابادة البشرية الجارية الان والتي اطلق عليها بعض المحللين اسم 'هولوكوست جنوب شرق اسيا'، جري تعليق اخر مرحلة من العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الاوروبي واميركا علي هذا البلد في مجال النفط والغاز.

وكانت هذه العقوبات قد فرضت علي الحكومة الميانمارية من قبل الدول الغربية اثر اجراءات العسكريين في قمع المعارضين السياسيين وانتهاك الديمقراطية والمضي ببرامج التهديد العسكري خلال الاعوام الاخيرة.

وفي الاسبوع قبل الماضي التقت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي زارت فيتنام للمشاركة في اجتماع التعاون بين اميركا ومجموعة 'آسيان'، التقت الرئيس الميانماري واكدت عزم الولايات المتحدة علي تطوير انشطة الشركات الاميركية في ميانمار، وبالمقابل اعلن تين سين بان بلاده تجتاز الان مرحلة متازمة وتاريخية وهي بحاجة الي دعم الدول الاخري للعبور من حكومة العسكريين الي الديمقراطية.

كما ان زيارة اصحاب الصناعات وكبار مدراء الشركات الاميركية الكبري الي ميانمار بهدف دراسة وتقييم فرص الاستثمارات والتنمية الاقتصادية في هذا البلد قد اثبتت بان القادة العسكريين الميانماريين يمكنهم في الظروف الراهنة كسب ود واشنطن وحلفائها من خلال الرضوخ لمطامع ورؤي الغربيين.

وبطبيعة الحال فان هواجس ورؤي ومعايير الغربيين لرعاية حقوق الانسان محصورة فقط في الاصلاحات السياسية وحرية التعبير والبيان في ميانمار وان الجرائم المنظمة والابادة البشرية مستثناة عمليا من قواعد الغربيين المسماة بالانسانية والداعية للسلام.




المستعمل تعليقات